responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 158
الْجِهَادُ وَتَحْرِيضُ النَّاسِ فِي الْجِهَادِ، فَإِنْ أَتَى بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ غَيْرِهِ تَارِكًا لِلْجِهَادِ شَيْءٌ.
ثُمَّ قَالَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: عَسَى حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُقَارَبَةِ وَفِيهِ تَرَجٍّ وَطَمَعٌ، وَذَلِكَ عَلَى اللَّه تَعَالَى مُحَالٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ «عَسَى» مَعْنَاهَا الْإِطْمَاعُ، وَلَيْسَ فِي الْإِطْمَاعِ أَنَّهُ شَكٌّ أَوْ يَقِينٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِطْمَاعُ الْكَرِيمِ إِيجَابٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْكَفُّ الْمَنْعُ، وَالْبَأْسُ أَصْلُهُ الْمَكْرُوهُ، يُقَالُ مَا عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ بَأْسٌ أَيْ مَكْرُوهٌ، وَيُقَالُ بِئْسَ الشَّيْءُ هَذَا إِذَا وُصِفَ بِالرَّدَاءَةِ، وَقَوْلُهُ: بِعَذابٍ بَئِيسٍ [الْأَعْرَافِ: 165] أَيْ مَكْرُوهٍ، وَالْعَذَابُ قَدْ يُسَمَّى بَأْسًا لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا، قَالَ تَعَالَى: فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ [غَافِرٍ: 29] فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا [الْأَنْبِيَاءِ: 12] فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غَافِرٍ: 84] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: عَسَى اللَّه أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقَدْ كَفَّ بِأَسَهُمْ، فَقَدْ بَدَا لِأَبِي سُفْيَانَ وَقَالَ هَذَا عَامٌ مُجْدِبٌ وَمَا كَانَ مَعَهُمْ زَادٌ إِلَّا السَّوِيقُ، فَتَرَكَ الذَّهَابَ إِلَى مُحَارَبَةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا يُقَالُ: نَكَّلْتُ فُلَانًا إِذَا عَاقَبْتَهُ عُقُوبَةً تُنَكِّلُ غَيْرَهُ عَنِ ارْتِكَابِ مِثْلِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَكَلَ الرَّجُلُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا جَبُنَ عَنْهُ وَامْتَنَعَ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها [الْبَقَرَةِ: 66] وَقَالَ فِي السَّرِقَةِ: بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ [الْمَائِدَةِ: 38] وَيُقَالُ: نَكَلَ فُلَانٌ عَنِ الْيَمِينِ إِذَا خَافَهُ وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ عَذَابَ اللَّه وَتَنْكِيلَهُ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ غَيْرِهِ وَمِنْ تَنْكِيلِهِ، وَأَقْبَلُ الْوُجُوهِ فِي بَيَانِ هَذَا التَّفَاوُتِ أَنَّ عَذَابَ غَيْرِ اللَّه لَا يَكُونُ دَائِمًا، وَعَذَابَ اللَّه دَائِمٌ فِي الْآخِرَةِ، وَعَذَابَ غَيْرِ اللَّه قَدْ يُخَلِّصُ اللَّه مِنْهُ، وَعَذَابَ اللَّه لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، وَأَيْضًا عَذَابُ غَيْرِ اللَّه لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَعَذَابُ اللَّه قَدْ يَصِلُ إِلَى جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ والروح والبدن.

[سورة النساء (4) : آية 85]
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ فِي تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يُحَرِّضِ الْأُمَّةَ عَلَى الْجِهَادِ، وَالْجِهَادُ مِنَ الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ وَالطَّاعَاتِ الشَّرِيفَةِ، فَكَانَ تَحْرِيضُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْأُمَّةِ عَلَى الْجِهَادِ تَحْرِيضًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَى الْفِعْلِ الْحَسَنِ وَالطَّاعَةِ الْحَسَنَةِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا، وَالْغَرَضُ/ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا حَرَّضَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ فَقَدِ اسْتَحَقَّ بِذَلِكَ التَّحْرِيضِ أَجْرًا عَظِيمًا. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِتَحْرِيضِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ ذَكَرَ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَقْبَلُوا أَمْرَهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ مِنْ عِصْيَانِهِمْ وَتَمَرُّدِهِمْ عَيْبٌ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَطَاعُوا وَقَبِلُوا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 158
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست